اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره.
شفاء العليل شرح منار السبيل
217725 مشاهدة
حد النفاس

قوله: [ والنفاس لا حد لأقله ] لأنه لم يرد تحديده فرجع فيه إلى الوجود. وقد وجد قليلا وكثيرا، وروي أن امرأة ولدت على عهده -صلى الله عليه وسلم- فلم تر دما فسميت ذات الجفوف .


الشرح: النفاس تابع للحيض، وهو مشتق من التنفس، الذي هو خروج النفس، وذلك لأن المرأة بخروج المولود منها يقال لها نفست.
وقد ورد في السنة تسمية الحيض نفاسا، وذلك لما حاضت عائشة مرة قال لها النبي -صلى الله عليه وسلم- لعلك نفست فأطلق على الحيض نفاسا، لاشتراكهما في خروج الدم.
والنفاس في اصطلاح الفقهاء، هو الدم الذي يخرج من المرأة بعد الولادة، أو معها.
وهذا الدم لا يتحمله كله الجنين، فيبقى بعضه يحتقن في الرحم ولا يخرج، فإذا ولدت المرأة خرج بعد الولادة، وسمي دم نفاس، وهو يخرج متتابعا كخروج دم الحيض.
وقد اختلف العلماء في أقله، والصحيح أنه لا حد لأقله، فقد وجد من النساء من لا يخرج منها دم بعد الولادة كما ذكر الشارح، وهذه قد يكون دمها ضعيفا في حال الصحة، وفي حال الحيض، فانصرف كله غذاء لحملها، فلم يبق منه شيء فاضل، فلما ولدت لم يخرج منها دم أصلا.
وقد روي أن عائشة رأت امرأة ولدت فلم تر دما، فقالت لها عائشة أنت امرأة طهرك الله .
وقد ذكر بعضهم حكاية فكاهية وهي أن امرأة كانت ضعيفة العقل، وكانت ضرة لامرأة أخرى ذات عقل ومعرفة، وهذه السقيمة كانت حبلى، فلما ذهبت تتبول وضعت ولدها حال جلوسها ولم تشعر أنه مولود، فرجعت إلى ضرتها فقالت لها: أي عمتاه: هل البعر يفتح فاه؟
فقالت: نعم يفتح فاه، ويدعو أباه !!
فذهبت المرأة العاقلة إلى المولود وأخذته، وغذته ونسبته إلى نفسها، وكان زوجها غائبا، فلم تعترف به للأولى التي ولدته.
والشاهد أن أمه لم تر دما، ولم تشعر أنه قد ولد منها، فهذا يدل على أنه قد يوجد من النساء من لا يخرج منها دم بعد الولادة، وأن السبب هو ضعف بنيتها في حالة الصحة، وقلة دمها الذي ينصرف كله غذاء للجنين- كما مضى-.
ومنهن من يبقى معها دم يستمر يوما أو يومين، أو خمسة، أو أسبوعا، أو أقل، أو أكثر، فلا حد لأقله.